تربويات




هل نحن في حاجة الى الحرية؟





من انجاز التلميذتين : سلمى البودالي – وسام وجري.

هل نحن في حاجة الى الحرية؟


تكتسي قضية الحرية ،أهمية بالغة في الفكر الفلسفي القديم و المعاصر، فهي كانت حاضرة في الفلسفة الإغريقية مع أرسطو و الرواقيين ثم الأبيقوريين…. وانتقل النقاش بعد ذلك إلى دائرة الفكر الإسلامي مع جمهور علماء الكلام …لكن النقاش لم يحسم ،صارت تشكل أهم القضايا وارتبطت بالسياسة والثقافة والمجتمع والوجود …وكما يقول زكرياء إبراهيم صاحب كتاب "مشكلة الحرية" ليس في لغات البشر كلمة تخفق لها القلوب قدر ما تخفق لكلمة الحرية ولكن ليس بين "مشاكل البشر مشكلة حارت لها الأفهام قدر ما حارت لمشكلة الحرية .وإن الإنسان لهو في الأصل موجود طبيعي ولكنه بين كائنات الطبيعة جميعها أشدها حنينا إلى التخلص من جبرية الظواهر،و أقواها نزوعا نحو التحررمن أسر الضرورة .


على الرغم من أن الانسان هو الموجود الوحيد الدي يشعر بأنه حر،فإنه الموجود الوحيد الذي لا يكاد يكف عن تكذيب شهادة شعوره ، واضعا وجوده نفسه موضع التساؤل ! ومن هنا فإننا ما نكاد نتحدث عن مشكلة الحرية، حتى يتملكنا دوار عقلي عنيف ، فإننا نعرف أن هده المشكلة هي مشكلة (الإنسان) في صراعه مع الطبيعة ، والمجتمع ، والماضي ، وقد حاول الإنسان أن يحطم هؤلاء (الأغيار) حتى يثبت لنفسه أنه حر ! فلم يلبث أن وجد نفسه وحيدا لا تستند حريته إلى شيء ! ثم خيل إليه أن لديه من الإرادة ما يستطيع معه أن يبرهن عمليا على حريته . فسرعان ما وقع فريسة لإرادة الفناء التي هي قضاء على كل إرادة . وهل كان الإنتحار دليلا على الحرية، وهو الدي لا يمحو الماضي إلا بانتزاع صاحبه، ولا يؤكد حرية الفعل إلا بالقضاء على كل قدرة على الفعل ؟

إذن كيف لا تكون (الحرية) مشكلة المشاكل، وهي سر وجود الإنسان الذي هو في صميمه تأرجح بين العدم والوجود،وأحجبة هذا الكائن العجيب الذي لا هو بالجماد ولا هو بالحيوان ولا هو بالإله؟! أليست الحرية هي التي أوحت إلى الموجود البشري بأنه نصف إله ؟ولكن انسان العصر الحديث لم يرتض لنفسه ألا يكون إلا إلها كاملا،و ادعى لنفسه تلك الحرية المطلقة التي طالما نسبها ديكارت و أمثاله إلى الجوهر الإلهي وهكذا أصبحت مشكلة الحرية هي مشكلة الإنسان مع القوى الغيبية، بعد أن كانت مجرد حوار بين الإنسان والطبيعة ،أو بين الإنسان والمجتمع، أو بين الإنسان والحيوان الباطن فيه! ولكن ماذا عسى أن تكون هذه (الحرية) التي أراد الإنسان أن يجعل منها (بداية مطلقة) أو خلقا من العدم؟ أتكون هذه القدرة البشرية الفائقة مجرد تعبير عن نزوع الإنسان نحو الألوهية ،ورغبته في إستلاب الله نفسه طابع (المطلق)؟ أم هل تكون الحرية هي مجرد صدى عقلي لذلك النزوع الوجداني الذي يدفع بالإنسان ـ طفلا ـ إلى أن ينشد القدرة المطلقة ،فيبحث عن السبيل إلى إمتلاك قوة الشياطين والجن والأبطال الخرافيين ؟ أم هل نقول إن الحرية هي منحة خبيثة تجود بها علينا جنية شريرة،فتوقعنا في الشر وتهوي بنا إلى حمأة الخطيئة ،دون أن يكون في وسعنا يوما أن نتنازل عن تلك المنحة اللعينة ؟! كل تلك أسئلة ليس يكفي لحلها أن نقول إن الحرية وهم من الأوهام،أو حلم من أحلام ذلك الموجود العجيب الدي إعتاد أن يتعبد لما يخلق من أصنام.


إن مفهوم الحرية في دلالته المطلقة يعني القدرة على إتيان الفعل أو السلوك دون أن تكون هناك معيقات أو إكراهات ،لكن إذا تحدثنا عن الحرية كإشكال فلسفي ،فإنه يجب علينا النظر إلى القوى الطبيعية والإجتماعية التي تحكمها،فهناك مجموعة من الإكراهات التي تحدد منها ،كالإكراهات البيولوجية ،السيكولوجية ،السياسية ، والدينية ….مما يجعلنا نقر بأنه ليست هناك حرية مطلقة وذلك في إرتباطها بهذه الإكراهات. ومن جهة أخرى اعتبر الأستاذ عبد الله العروي أن مفهوم الحرية يحتل مكانة بارزة في الدولة ،فلا دولة إلى دولة الحرية ولا عقل إلا العقل الحر ،وقد حدد الحرية في كونها شعارا و نظرية وممارسة وهو يرى أي العروي أننا إذا تكلمنا عن الحرية بوصفها نظرية ،فإنها غير متواجدة في الثقافة العربية الإسلامية الكلاسيكية ،أما بوصفها ممارسة، فهي موجودة في المجتمع الإسلامي الكلاسيكي .أما شعارا فهو ما ظهرت به الحرية في سياق إيديولوجيات تنادي بالتحرر من الإستعمار مثلا فيما بعد

يعتمد عبد الله العروي النهج التاريخي لرصد وتتبع مستويات ممارسة الحرية في المجتمع العربي الإسلامي ، والكشف عن تعييناتها الإمبريقية.وإعتمادا على خبرته التاريخية (العروي مؤرخ) فإنه يقدم عددا من الأدلة والرموز التي تكشف عن أشكال ممارسة هذه الحرية ،متجاوزا بذلك،تحديد مفهوم الحرية إنطلاقا من المنظور الفقهي الذي إعتمد عليه المستشرقون في بحثهم مشكلة الحرية في المجتمع العربي الإسلامي التقليدي،ليتبتوا انعدام الحرية بهذا المجتمع وسيادة الإستبداد داخله .

صحيح أن المنظور الكلامي يطرح مسألة الحرية من باب الرق ،وكفالة المرأة والطفل ،وغير ذلك ويربطها بالعقل والمروءة والتكليف ،إد يقول العروي نلاحظ في كل الأحوال ترابطا بين الحرية والعقل والتكليف والمروءة. وصحيح أن الفقه الإسلامي يعرف الحرية بأنها الإتفاق مع ما يوحي به الشرع والعقل ، ولكن هل يعني هذا أن المجتمع الإسلامي التقليدي لم يعرف الحرية ألا يمكن أن نجد رموزا للحرية خارج نطاق ما يمكن أن نسميه الدولة الإسلامية يجيب العروي إن تجربة المجتمع الإسلامي في مجال حرية الفرد أوسع بكثير مما يشير إليه نظام الدولة الإسلامي لذلك يمكن القول ،إنه لا يمكن إثبات وجود الحرية داخل المجتمع من عدمه بالإعتماد على معيار واحد، وهو الفقه الاسلامي أو علم الكلام و في تنقبيه عن الحرية داخل المجتمع العربي الإسلامي الكلاسيكي، يربط العروي بين القبيلة و الحرية ، من حيث إن القبيلة كانت تشكل حماية للفرد من أوامر السلطان ، و بالتالي فإن القبيلة تصون الفرد من استبداد السلطان فتشعره بالحرية.

كما نجده يربط بين البداوة و الحرية التي ترتكز في نظره على الفطرة ، و تشكل خروجا على تقاليد الدولة السلطانية ، ومن ثم فهي حسب العروي قد رمزت إلى شكل من أشكال الحرية، لكونها تعبر عن الرفض و التمرد.

خلاصة القول، هو أن إشكالية الحرية تعد من الإشكالات الجدلية التي لازالت حاضرة إلي اليوم، و سبب تعقد هذه الإشكالية كونها لها أبعاد مختلفة و متنوعة ، كالبعد الميتافيزيقي ، البعد الديني ،البعد السياسي، والبعد الأخلاقي… فالحرية عند كانط هي خضوع للواجب الأخلاقي الذي تعتبر الإرادة الخيرة أساس تشريعه ، لكن ألا يمكن أن نحدد معنى واحدا للحرية ؟ أليست الحرية المطلقة مجرد وهم لإبراز استقلاليتنا ، إذا كان الإنسان مجبرا على الإختيار و أن عدم الاختيار هو بحد ذاته اختيار ؟ إن الحرية ليست مددا إلهيا و إنما هي مطلب و حق يتم انتزاعه لكن بطرق معقولة و عقلانية. فنحن نحتاج إلى تلك الحرية التي تتوافق مع القانون. 



شارك الموضوع :
جميع الحقوق محفوظة © أغورا الفلسفة | Agora-Philo
صمم بكل من طرف : Mehdi Bihi