انجاز:الاستاذ - محمد الشاوي
مجزوءة السياسة
مدخل :
السياسة هي السعي إلى ممارسة السلطة بشكل عمومي داخل المدينة أو الدولة،
وقد ارتبطت في الفلسفة بتدبير شؤون المجتمع وتنظيم العلاقات بين الأفراد
والجماعات.وعلي ممارسيها يتوقف نشر و تثبيت العدل داخل الدولة و حماية حريات وحقوق
الناس من خلال نظام تعاقدي يعتمد على قواعد حكم ديموقراطي يسعى إلى نبذ العنف
وإقرار دولة الحق و القانون
مفهوم الدولة
تقديم :
يمكن تعريف الدولة تعريفا أوليا بأنها مجموعة من المؤسسات و الأجهزة تنظم
حياة الفرد والمجتمع داخل مجال ترابي محدد. والدولة بهذا المعنى هي مالكة السلطة في
المجتمع.ويرجع الفضل إلى الفكر السياسي الحديث في نزع مجموعة من التصورات الدينية
و اللا هوتية على نظرية الدولة وتأسيسها على مفهوم التعاقد من طرف فلاسفة العقد الإجتماعي وهذا ما تمخض
عنه مجموعة من الإشكاليات سنقوم بطرحها من خلال التساؤلات التالية:
- من أين تستمد الدولة مشروعيتها:من الحق أم من القوة؟وكيف يكون وجود دولة
ما مشروعا؟
- هل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة قدرة مشتتة
في كل أنحاء المجتمع؟هل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه أم محايثة له؟
- هل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون،بالحق أم بالعنف؟
المحور الأول:مشروعية الدولة
وغاياتها
إشكالية المحور:من أين تستمد الدولة مشروعيتها:من الحق أم من القوة؟وكيف يكون
وجود دولة ما مشروعا؟
تصور ماكس فيبر(1846-1920م) يعتبر عالم الإجتماع الألماني "ماكس فيبر" السياسة مجال تدبير الشأن العام وتسييره والدولة ذاتها حسب "فيبر" ليست إلا تعبيرا عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع وهي الهيمنة التي تقوم على مبدأ المشروعية. وقد بين "ماكس فيبر" وجود أنواعا متعددة من المشروعية عبر التاريخ وقد حددها في ثلاثة أنواع أساسية وهي:
سلطة الأمس الأزلي والتي تأخذ مشروعيتها من العادات والتقاليد العتيقة
التي كانت تخول السلطة في المجتمعات التقليدية للشيوخ وكبار السن. وثانيا هناك
السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة والخارقة لشخص ما في نظر الرعايا وهذا ما يجعلهم يتفانون
في طاعته وفي الإلتزام بما يدعو إليه وهذا ما يسمى بالسلطة الكاريزمية .وثالثا هناك السلطة التي تفرض
نفسها بواسطة الشرعية القائمة على قواعد حكم عقلانية وهذه هي السلطة كما تمارس
في الأنظمة الديموقراطية الحديثة.
تصور توماس هوبز(1588-1679م) يرجع الفضل في طرح نظرية العقد الإجتماعي في الفلسفة السياسية الحديثة إلى
الفيلسوف الإنجليزي "طوماس هوبز" والذي يرى أن قبل قيام الدولة أي في حالة الطبيعة كانت حياة
الإنسان تتسم بالحرية الكاملة و ا للامحدودة وبالتالي سيادة حق القوة.وكان الإنسان
يعمل بكل الوسائل على تحقيق مكاسبه الخاصة ومنافعه الشخصية ولو كانت على حساب
الآخرين ،وهذا ما أدى إلى سيادة حالة الحرب والفوضى والعدوانية. وأمام هذه الحالة التي تقود إلى
شقاء الإنسان وتؤدي إلى تهديد كيانه، أيقن الإنسان أنه لابد من بناء حياة جديدة
تتجاوز الأوضاع الحيوانية السابقة وذلك بتكوين مجتمع مدني قائم على تعاقد إجتماعي
تصبح فيه حرية كل فرد محدودة بالقوانين والمؤسسات ،ويصبح للفرد الأمان على حياته وتسود
حالة السلم والنظام والأمن والوفرة .وبمقتضى هذا الميثاق يصبح الشخص أو المجلس الذي تم التنازل له مالكا للسلطة
المطلقة حسب "هوبز". وهكذا فنظرية العقد الإجتماعي عند" طوماس هوبز"تجعل
منشأ السلطة السياسية المشروعة ميثاقا أصليا يتخلى الناس بمقتضاه عن كل أو بعض
حرياتهم وحقوقهم الطبيعية مقابل سلم وحرية مضمونة من طرف رجل أو مجلس حاكم.
تصور باروخ سبينوزا (1632_1677م) تتمثل غاية الدولة في نظر" سبينوزا "في ضمان حقوق الأفراد الطبيعية
المشروعة والمتمثلة أساسا في الحق في الحياة والأمن والحرية. كما تتمثل غايتها
أيضا في إتاحة الفرصة لعقولهم لكي تفكر بحرية وتؤدي وظيفتها بالشكل المطلوب دون
استخدام للدوافع الغريزية من حقد وغضب وخداع .ومشروعية الدولة في نظره تتعزز بمدى
تحقيق هذه الغايات.
إشكالية المحور:هل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة
قدرة مشتتة في كل المجتمع؟هل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه أم محايثة له؟
يقول "مونتيسكيو"بوجود ثلاثة أنواع من السلط في الدولة ،وهي السلطة
التشريعية ووضيفتها تشريع القوانين وتصحيحها أو إبطالها.والسلطة التنفيذية
ووظيفتها تنفيذ التشريعات والأمور المتعلقة بالحقوق المدنية.والسلطة القضائية
وتتمثل وظيفتها في الحكم في خلافات الناس والمعاقبة على الجرائم.ولكي تسود الحرية
وينعم المواطنون بالأمن ويزول الخوف والظلم يجب أن يكون هناك فصل بين السلطات ،لأنه
عندما تجتمع السلط السابقة في يد شخص واحد
أو هيئة واحدة ستنتفي الحرية ،لأن بإمكان الحاكم أو المجلس الحاكم أن يضع قوانين
جائرة وينفذها بشكل جائر.وهكذا فالفصل بين السلط هو الضمان الأساسي للحرية
السياسية وأفضل وسيلة للحفاظ على حرية الأفراد وسلطة الدولة دون جور أو تعد .وبالتالي
فالسلطة حسب "مونتيسكيو" منحصرة في الأجهزة السياسية للدولة بشرط أن تمارس
كل منها سلطتها في استقلال عن الأجهزة الأخرى .
تصور ميشيل فوكو في مقابل التصور الذي يسجن السلطة في مجموعة من الأجهزة والبنيات يقدم "ميشيل فوكو" تصورا للسلطة لايحصرها في مجموعة من المؤسسات والأجهزة والقوانين التي يكون هدفها إخضاع المواطنين داخل الدولة أو في نظام للسيطرة تفرضه فئة على أخرى ،بل هي علاقات قوى متعددة محايثة للمجال الذي تعمل فيه تلك القوى و تمارس سلطتها وليست متعالية عن هذا المجال.إنها الإسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الإجتماعي.
المحورالثالث:الدولة بين الحق والعنف
إشكالية المحور:هل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون،بالحق أم
بالعنف؟
تصورنيكولا ماكيافيلي (1469م_1527م) يبين" نيكولا ماكيافيل" في كتابه" الأمير" أن ممارسة السلطة يتراوح بين اعتماد القوانين أو اعتماد العنف .وينصح"ماكيافيلي" الأمير بأن يجيد استعمال الأسلوبين معا من أجل تثبيت سلطته السياسية، فالطريقة الأولى تعتمد القوانين بحيث يستعملها بمكر ودهاء وبشكل يمكن من تحقيق مصلحة الأمير، أما الثانية فتعتمد على القوة والعنف ولكن في الوقت المناسب .ومن هنا يجب على الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب وأن يكون ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الشراك.وما دام الناس ليسوا أخيارا في الواقع فلا يلزم الأمير أن ينضبط للمبادئ الأخلاقية في تعامله معهم ،بل لابد أن تكون له القدرة على التظاهر بهذه المبادئ كالرحمة والوفاء والنزاهة والتدين والإنسانية ، وأن يكون على أتم الإستعداد للتخلي عنها عند الإقتضاء ،لأن الغاية عند ماكيافيلي تبرر الوسيلة.وهكذا يتبين أن ممارسة السلطة تنبني على القوة والمكر والخداع في نظر ماكيافيللي.
فريدريك إنجلز(1820م_1895م) ينطلق الفيلسوف الألماني"فريدريك إنجلز"من انتقاده للأطروحة" الهيجيلية" التي تبين أن الدولة تجسيد للعقل وأنها غاية في ذاتها .كما ينتقد أيضا نظرية العقد الإجتماعي لأن تفسيرها نشأة الدولة مثالي و مجرد وبعيد عن الواقع .أما الدولة في نظر"فريديريك إنجلز" فهي نتيجة لتطور المجتمع التاريخي ،وظهورها كان مقترنا بتاريخ ظهور الملكية الفردية التي نتج عنها تقسيم المجتمع إلى طبقتين:طبقة المالكين لوسائل الإنتاج وطبقة المحرومين من الملكية أي طبقة مستغلة و طبقة مستغلة .وهكذا فالدولة هي نتيجة تاريخية حتمية رافقت نمو المجتمع الإقتصادي، وهي جهاز منظم للسيطرة الطبقية تضطهد به الطبقة الحاكمة الطبقة المحكومة ،أي أنها مؤسسة بورجوازية مهمتها توطيد سيطرة الطبقة الرأسمالية على الطبقة الكادحة باستعمال العنف والقوة .إلا أن اشتداد الصراع الطبقي بين الطبقة البورجوازية والطبقة الكادحة بسبب اللا مساواة والتفاوت الطبقي،سيؤدي حتما في نظر"إنجلز"إلى انتصار الطبقة الكادحة و إقامتها لمجتمع جديد أنبل وأعدل من المجتمعات السابقة يقوم على أساس التشارك الحر والمتساوي بين المنتجين وينتج عن هذا زوال الدولة بعد تأديتها لوظيفتها بعد الإنتقال إلى النظام الشيوعي في نظر"فريدريك إنجلز"
عبّر عن تعليقكالإبتسامات