تربويات




الغير


الـغـير

توطئة:
يعد مفهوم الغيرمن المفاهيم التي غيبت في الفلسفة اليونانية لعدة اعتبارات منها : تم تغييب العلاقة بين الأنا والغير، لصالح العلاقة بين الذات والعالم، هذا العالم الذي ينظر إليه باعتباره تجسيدا (للوغوس) الذي يتعين معرفته والنسج على منواله.
2ـ    لقدتم التعامل مع الغيرالمخالف ليس كشخص ممتلك لنفس السمات والمقومات الانسانية،بل كهمجي وبربري.
لهكذا اسباب وغيرها ،لم يلاقي الغيراهمية تذكرفي الفلسفة القديمة،بل حتى في الحديثة،غير ااان الفلسفة الهيغيلية ستنفض الغبارعنه لتعيد احياءه من جديد،من خلال "جدلية العبد والسيد" .

الدلالات :

“الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام”  (معجم روبير)
الغير يطلق فقط على الآخر من الناس، وهذا يعني أن الغير هو ذات تتمتع بنفس مقومات الأنا، وهي أساسا: الوعي والحرية والكرامة والمسؤولية.(نفس المعجم)
فلسفيا:
“الغير هو آخر الأنا، منظور إليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر” (اندريه لالاند)
“الغير هو الأخر، الأنا الذي ليس أنا”   (ج ب سارتر)

محاورالدرس :

1_ وجود الغير/ هل وجود الغير ضروري بالنسبة لوجود الأنا ووعيه بذاته أم أنه مجرد وجود جائز ومحتمل؟
2_ معرفة الغير/ هل معرفة الغير ممكنة؟ وما السبيل إلى تحقيق تلك المعرفة؟
3_ العلاقة مع الغير/ ماهي طبيعة العلاقة التي قد تربطني بالغير؟ومااوجه تلك العلاقة؟
................................................................................................

الاطروحات التي عالجت اشكال وجود الغير :

تصور:ر.ديكارتانطلاقا من" الكوجيطو" شك الفيلسوف (ر. ديكارت) في كل شيء بما في ذلك وجوده ليتوصل إلى أن هناك حقيقة أولية بسيطة لايطالها الشك وهي “أنه يشك” أي يفكر، وبالتالي فهو يقينا يوجد كذات أو كجوهر مفكر، أما كيف يتم إدراك الذات، فإن ديكارت يجيب أن هذا الإدراك يتم عن طريق حدس عقلي مباشر.ان اثبات الذات يتم بعملية عقلية،في حين ان إثبات وجود الغير كأنا آخرلايتم إلا عن طريق الاستدلال بالمماثلة، أي طريق الافتراض بأنه ذات مثله مثل الأنا انطلاقا من الصفات والخصائص الخارجية التي تتشابه بينهما.
تصور: فريدريك هيجل
على النقيض من التصور الديكارتي اولى هيجل في فلسفته لمفهوم الغير موقعا مركزيا. فكل شيء بالنسبة لهيجل يحمل نقيضه في ذاته كشرط لتحقق وجوده واستمراريته. ومن تم فوجود الأنا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال وجود نقيضه بمعنى الغير. فلا يمكن للوعي أن يعرف نفسه إلا من خلال انفتاحه على كل ماهو آخر بالنسبة إليه؛ أي أن الوعي يبحث عن وساطة بينه وبين معرفته لنفسه،
إن الوعي الآخر (الغير) هو الوحيد القادر على القيام بدور التوسط بين الأنا ومعرفته بذاته على اعتبار أن الأنا يسعى إلى الاعتراف به من طرف الآخر. غير أن هذا الاعتراف يتم من خلال عملية الصراع التي تقوم بين الأنا والغير(نزع الاعتراف)، والتي تنتهي بإخضاع أحد الوعيين للآخر وإجباره على الاعتراف له بوجوده. وعلى هذا المنوال تنشأ العلاقة الإنسانية الأولى، علاقة السيد بالعبد.باعتبارها علاقة تفاضلية.
__________________________________________________________
الاطروحات التي عالجت اشكال معرفة الغير
تصور:ج. ب. سارتر
يقر سارتر بأن وجود الغير ضروري من أجل وجود الأنا ومعرفته لذاته، وذلك واضح في قوله: “الغير هو الوسيط الضروري بين الأنا وذاته”. لهذا فالغير كعنصر مكون للأنا ولا غنى له عنه في وجوده. لكن العلاقة الموجودة بينهما هي علاقة تشييئية، خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل مادام يعامل بعضهما البعض كشيء وليس كأنا آخر. هكذا فالتعامل مع الغير كموضوع مثله مثل الموضوعات والأشياء يؤدي إلى إفراغه من مقومات الوعي والإرادة والحرية. ويستدل سارتر بمثال النظرة بين الأنا والغير؛ فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتموت عفويته وتلقائيته. ليصبح الغير جحيما، وهو ما تفيده قولة سارتر الشهيرة:”الجحيم هم الآخرون”.
هكذا يبدو أن معرفة الغير كأنا آخر مستحيلة، مادام أن نظرتنا إليه لا تتجاوز ما هو ظاهري وتبقى مرتبطة بمجال الإدراك الحسي الخارجي.مما يخلق هوة سحيقة يتعذر ردمها بين الانا والغير.
تصور:م.م.بونتي
يعترض ميرلوبنتي على مثال “النظرة” الذي تبناه سارتر، ويعتبرها نظرة تشييئية ترتكز على النظر إلى الغير كموضوع/كشيء، كما أنها نظرة نظرة لا إنسانية تعامل الغير كحشرة. ومع ذلك فهي نظرة استثنائية، قائمة على  فعل إرادي ينم على أن التواصل ممكن ولكننا نمتنع عنه بإرادتنا.
ليخلص الفيلسوف الى التمركزعلى الذات والانغلاق عليها يؤدي إلى تعليق التواصل معه دون أن يؤدي إلى إعدامه. وهذا دليل في نظره على إمكانية التواصل مع الغير ومن تم معرفته. وتعتبر اللغة وسيلة أساسية لتحقيق هذا التواصل عن طريق دفع الغير الى الخروج من صمته وترك حالة العطالة والانغلاق التام على الذات

الاطروحات التي عالجت اشكال: العلاقة مع الغير
تصور: ارسطو
يرى أرسطو ان الصداقة   فضيلة أخلاقية،اوهي ضرب من ال كما أنها تلك الرابطة التي تجمع بين الناس داخل المدينة، والتي إن سادت على الوجه الأكمل لم نكن في حاجة إلى قوانين العدالة أصلا. كما يرى أرسطو أن الصداقة ضرورية في الحياة سواء تعلق الأمر بالأغنياء أو الفقراء؛ إذ يحتاج الأغنياء إلى الأصدقاء لكي ينالوا المدح والثناء من جراء ما يسدونه لهم من خيرات، كما يحتاج الفقراء أيضا إلى الصداقة، إذ تعتبر الملاذ الذي يلتجئون إليه من أجل التخفيف من نوائب الدهر.
ويحدد أرسطو ثلاثة أسس تنبني عليها الصداقة؛ المنفعة والمتعة والفضيلة الأخلاقية. هكذا نكون أمام ثلاثة أنواع من الصداقة؛ صداقة المنفعة وصداقة المتعة وصداقة الفضيلة. فالصداقتان الأوليتان ترتكزان على المنفعة والمتعة، ولذلك فهما متغيرتان وزائلتان. بينما الصداقة الحقيقية هي صداقة الفضيلة التي تنبني على حب الخير لذاته أولا، وللأصدقاء ثانيا.

وفي نفس السياق حاول أفلاطون أن يحدد أساس الصداقة؛ فذهب إلى أنها تقوم على نوع من الشعور بالنقص، وتعبر عن نزوع الأنا إلى الكمال من خلال حاجته الماسة إلى الغير. هكذا فالصداقة في نظره لا تكون بين الطيبين ولا بين الخبيثين، بل بين ما ليس طيبا ولا خبيثا من جهة وبين الطيب من جهة أخرى. فلكي تكون هناك صداقة بين الأنا والغير لا بد أن تكون الذات في حالة من النقص النسبي الذي يجعلها تسعى إلى تحقيق الكمال مع من هو أفضل. ولو هيمن الشر على الذات، فإنها ستكون في حالة نقص مطلق لا تستطيع معه أن تسمو إلى الخير. ولو كانت الذات في حالة خير مطلق لعاشت نوعا من الاكتفاء الذاتي الذي يجعلها لا تحتاج إلى الصديق. فأساس الصداقة هو الرغبة في تحقيق سمو الذات وكمالها من خلال الغير.


شارك الموضوع :
جميع الحقوق محفوظة © أغورا الفلسفة | Agora-Philo
صمم بكل من طرف : Mehdi Bihi